كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثانية:
قرأ حمزة والكسائي: {أَوَ لَمْ تَرَوْاْ} بالتاء على الخطاب، وكذلك في سورة العنكبوت: {أَوَ لَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} [العنكبوت: 19]. بالتاء على الخطاب، والباقون بالياء فيهما كناية عن الذين مكروا السيئات، وأيضًا أن ما قبله غيبة وهو قوله: {أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب أَوْ يَأْخُذَهُمْ} [النحل: 45، 46]. فكذا قوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} وقرأ أبو عمرو وحده: {تتفيؤ} بالتاء والباقون بالياء، وكلاهما جائز لتقدم الفعل على الجمع.
المسألة الثالثة:
قوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله} لما كانت الرؤية هاهنا بمعنى النظر وصلت بإلى، لأن المراد به الاعتبار والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية حتى يكون معها نظر إلى الشيء وتأمل لأحواله، وقوله: {إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْء} قال أهل المعاني: أراد من شيء له ظل من جبل وشجر وبناء وجسم قائم، ولفظ الآية يشعر بهذا القيد، لأن قوله: {مِن شَيْء يَتَفَيَّؤُاْ ظلاله عَنِ اليمين والشمآئل} يدل على أن ذلك الشيء كثيف يقع له ظل على الأرض.
وقوله: {يَتَفَيَّؤُاْ ظلاله} إخبار عن قوله: {شَيْء} وليس بوصف له، ويتفيأ يتفعل من الفيء يقال: فاء الظل يفيء فيئًا إذا رجع وعاد بعد ما نسخه ضياء الشمس، وأصل الفيء الرجوع، ومنه فيء المولي وذكرنا ذلك في قوله تعالى: {فَإِن فاؤا فإن الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 226]، وكذلك فيء المسلمين لما يعود على المسلمين من مال من خالف دينهم، ومنه قوله تعالى: {مَّا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ} [الحشر: 6]، وأصل هذا كله من الرجوع.
إذا عرفت هذا فنقول: إذا عدي فاء فإنه يعدى إما بزيادة الهمزة إو بتضعيف العين.
أما التعدية بزيادة الهمزة كقوله: {مَّا أَفَاء الله} وأما بتضعيف العين فكقوله فيأ الله الظل فتفيأ وتفيأ مطاوع فيأ.
قال الأزهري: تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعدما انصرفت عنه الشمس والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله الشمس كمال قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ** ولا الفيء من برد العشي تذوق

قال ثعلب: أخبرت عن أبي عبيدة أن رؤبة قال: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وما لم يكن عليه الشمس فهو ظل، ومنهم من أنكر ذلك، فإن أبا زيد أنشد للنابغة الجعدي:
فسلام الإله يغدو عليهم ** وفيوء الغروس ذات الظلال

فهذا الشعر قد أوقع فيه لفظ الفيء على ما لم تنسخه الشمس، لأن ما في الجنة من الظل ما حصل بعد أن كان زائلًا بسبب نور الشمس وتقول العرب في جمع فيء أفياء وهي للعدد القليل، وفيوء للكثير كالنفوس والعيون، وقوله: {ظلاله} أضاف الظلال إلى مفرد، ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال، وإنما حسن هذا، لأن الذي عاد إليه الضمير وإن كان واحدًا في اللفظ وهو قوله إلى ما خلق الله، إلا أنه كثير في المعنى، ونظيره قوله تعالى: {لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]. فأضاف الظهور وهو جمع، إلى ضمير مفرد، لأنه يعود إلى واحد أريد به الكثرة وهو قوله: {مَا تَرْكَبُونَ} هذا كله كلام الواحدي وهو بحث حسن.
أما قوله: {عَنِ اليمين والشمآئل} ففيه بحثان:
البحث الأول: في المراد باليمين والشمائل قولان:
القول الأول: أن يمين الفلك هو المشرق وشماله هو المغرب، والسبب في تخصيص هذين الاسمين بهذين الجانبين أن أقوى جانبي الإنساني يمينه، ومنه تظهر الحركة القوية، فلما كانت الحركة الفلكية اليومية آخذة من المشرق إلى المغرب، لا جرم كان المشرق يمين الفلك والمغرب شماله.
إذا عرفت هذا فنقول: إن الشمس عند طلوعها إلى وقت انتهائها إلى وسط الفلك تقع الإظلال إلى الجانب الغربي، فإذا انحدرت الشمس من وسط الفلك إلى الجانب الغربي وقع الإظلال في الجانب الشرقي، فهذا هو المراد من تفيؤ الظلال من اليمين إلى الشمال وبالعكس، وعلى هذا التقدير: فالإظلال في أول النهار تبتدىء من يمين الفلك على الربع الغربي من الأرض، ومن وقت انحدار الشمس من وسط الفلك تبتدىء الإظلال من شمال الفلك واقعة على الربع الشرقي من الأرض.
القول الثاني: أن البلدة التي يكون عرضها أقل من مقدار الميل، فإن في الصيف تحصل الشمس على يسارها، وحينئذ يقع الإظلال على يمينهم، فهذا هو المراد من انتقال الإظلال عن الأيمان إلى الشمائل وبالعكس.
هذا ما حصلته في هذا الباب، وكلام المفسرين فيه غير ملخص.
البحث الثاني: لقائل أن يقول: ما السبب في أن ذكر اليمين بلفظ الواحد، والشمائل بصيغة الجمع؟
وأجيب عنه بأشياء: أحدها: أنه وحد اليمين والمراد الجمع ولكنه اقتصر في اللفظ على الواحد كقوله تعالى: {وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45].
وثانيها: قال الفراء: كأنه إذا وحد ذهب إلى واحدة من ذوات الأظلال، وإذا جمع ذهب إلى كلها، وذلك لأن قوله: {مَا خَلَقَ الله مِن شَىْء} لفظه واحد، ومعناه الجمع على ما بيناه فيحتمل كلا الأمرين.
وثالثها: أن العرب إذا ذكرت صيغتي جمع عبرت عن إحداهما بلفظ الواحد كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1]، وقوله: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7].
ورابعها: أنا إذا فسرنا اليمين بالمشرق كانت النقطة التي هي مشرق الشمس واحدة بعينها، فكانت اليمين واحدة.
وأما الشمائل فهي عبارة عن الانحرافات الواقعة في تلك الأظلال بعد وقوعها على الأرض وهي كثيرة، فلذلك عبر الله تعالى عنها بصيغة الجمع، والله أعلم.
المسألة الرابعة:
أما قوله: {سُجَّدًا لِلَّهِ} ففيه احتمالات: الأول: أن يكون المراد من السجود الاستسلام والانقياد يقال: سجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب، وسجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل ويقال: أسجد لقرد السوء في زمانه، أي أخضع له قال الشاعر:
ترى الأكم فيها سجدًا للحوافر

أي متواضعة، إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى دبر النيرات الفلكية، والأشخاص الكوكبية بحيث يقع أضواؤها على هذا العالم السفلي على وجوه مخصوصة.
ثم إنا نشاهد أن تلك الأضواء، وتلك الإظلال لا تقع في هذا العالم إلا على وفق تدبير الله تعالى وتقديره، فنشاهد أن الشمس إذا طلعت وقعت الأجسام الكثيفة أظلال ممتدة في الجانب الغربي من الأرض، ثم كلما ازدادت الشمس طلوعًا وارتفاعًا، ازدادت تلك الأظلال تقلصًا وانتقاصًا إلى الجانب الشرقي إلى أن تصل الشمس إلى وسط الفلك، فإذا انحدرت إلى الجانب الغربي ابتدأت الأظلال بالوقوع في الجانب الشرقي، وكلما ازدادت الشمس انحدارًا ازدادت الأظلال تمددًا وتزايدًا في الجانب الشرقي.
وكما أنا نشاهد هذه الحالة في اليوم الواحد، فكذلك نشاهد أحوال الأظلال مختلفة في التيامن والتياسر في طول السنة، بسبب اختلاف أحوال الشمس في الحركة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، فلما شاهدنا أحوال هذه الأظلال مختلفة بسبب الاختلافات اليومية الواقعة في شرق الأرض وغربها، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة في يمين الفلك ويساره، ورأينا أنها واقعة على وجه مخصوص وترتيب معين، علمنا أنها منقادة لقدرة الله خاضعة لتقديره وتدبيره، فكانت السجدة عبارة عن هذه الحالة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: اختلاف حال هذه الأظلال معلل باختلاف سير النير الأعظم الذي هو الشمس، لا لأجل تقدير الله تعالى وتدبيره؟
قلنا: قد دللنا على أن الجسم لا يكون متحركًا لذاته، إذ لو كانت ذاته علة لهذا الجزء المخصوص من الحركة، لبقي هذا الجزء من الحركة لبقاء ذاته، ولو بقي ذلك الجزء من الحركة لامتنع حصول الجزء الآخر من الحركة، ولو كان الأمر كذلك لكان هذا سكونًا لا حركة، فالقول بأن الجسم المتحرك لذاته يوجب القول بكونه ساكنًا لذاته وأنه محال، وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلًا، فعلمنا أن الجسم يمتنع كونه متحركًا لذاته، وأيضًا فقد دللنا على أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية، فاختصاص جرم الشمس بالقوة المعينة والخاصية المعينة لابد وأن يكون بتدبير الخالق المختار الحكيم.
إذا ثبت هذا فنقول: هب أن اختلاف أحوال الأظلال إنما كان لأجل حركات الشمس، إلا أنا لما دللنا على أن محرك الشمس بالحركة الخاصة ليس إلا الله سبحانه كان هذا دليلًا على أن اختلاف أحوال الأظلال لم يقع إلا بتدبير الله تعالى وتخليقه، فثبت أن المراد بهذا السجود الانقياد والتواضع، ونظيره قوله: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6]، وقوله: {وظلالهم بالغدو والأصال} [الرعد: 15]. قد مر بيانه وشرحه.
والقول الثاني: في تفسير هذا السجود، أن هذه الأظلال واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد.
قال أبو العلاء المعري في صفة واد:
بحرف يطيل الجنح فيه سجوده ** وللأرض زي الراهب المتعبد

فلما كانت الأظلال تشبه بشكلها شكل الساجدين أطلق الله عليها هذا اللفظ، وكان الحسن يقول: أما ظلك فسجد لربك، وأما أنت فلا تسجد له بئسما صنعت، وقال مجاهد: ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي، وقيل: ظل كل شيء يسجد لله سواء كان ذلك ساجدًا أم لا.
واعلم أن الوجه الأول أقرب إلى الحقائق العقلية، والثاني أقرب إلى الشبهات الظاهرة.
المسألة الخامسة:
وقوله: {سُجَّدًا} حال من الظلال وقوله: {وَهُمْ داخرون} أي صاغرون، يقال: دخر يدخر دخورًا، أي صغر يصغر صغارًا، وهو الذي يفعل ما تأمره شاء أم أبى، وذلك لأن هذه الأشياء منقادة لقدرة الله تعالى وتدبيره وقوله: {وَهُمْ داخرون} حال أيضًا من الظلال.
فإن قيل: الظلال ليست من العقلاء فكيف جاز جمعها بالواو والنون؟
قلنا: لأنه تعالى لما وصفهم بالطاعة والدخور أشبهوا العقلاء.
أما قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض مَن دَآبَّةٍ والملئكة} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قد ذكرنا أن السجود على نوعين: سجود هو عبادة كسجود المسلمين لله تعالى، وسجود هو عبارة عن الانقياد لله تعالى والخضوع، ويرجع حاصل هذا السجود إلى أنها في نفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما، وأنه لا يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح.
إذا عرفت هذا فنقول: من الناس من قال: المراد بالسجود المذكور في هذه الآية السجود بالمعنى الثاني وهو التواضع والانقياد، والدليل عليه أن اللائق بالدابة ليس إلا هذا السجود ومنهم من قال: المراد بالسجود هاهنا هو المعنى الأول، لأن اللائق بالملائكة هو السجود بهذا المعنى لأن السجود بالمعنى الثاني حاصل في كل الحيوانات والنباتات والجمادات، ومنهم من قال: السجود لفظ مشترك بين المعنيين، وحمل اللفظ المشترك لإفادة مجموع معنييه جائز، فحمل لفظ السجود في هذه الآية على الأمرين معًا، أما في حق الدابة فبمعنى التواضع، وأما في حق الملائكة فبمعنى سجود المسلمين لله تعالى، وهذا القول ضعيف، لأنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لإفادة جميع مفهوماته معًا غير جائز.
المسألة الثانية:
قوله: {مِن دَابَّةٍ} قال الأخفش: يريد من الدواب وأخبر بالواحد كما تقول ما أتاني من رجل مثله، وما أتاني من الرجال مثله، وقال ابن عباس: يريد كل ما دب على الأرض.
المسألة الثالثة:
لقائل أن يقول: ما الوجه في تخصيص الدواب والملائكة بالذكر؟ فنقول فيه وجوه:
الوجه الأول: أنه تعالى بين في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله تعالى وبين بهذه الآية أن الحيوانات بأسرها منقادة لله تعالى، لأن أخسها الدواب وأشرفها الملائكة، فلما بين في أخسها وفي أشرفها كونها منقادة لله تعالى كان ذلك دليلًا على أنها بأسرها منقادة خاضعة لله تعالى.
والوجه الثاني: قال حكماء الإسلام: الدابة اشتقاقها من الدبيب، والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانية، فالدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب، فلما بين الله تعالى الملائكة عن الدابة علمنا أنها ليست مما يدب، بل هي أرواح محضة مجردة، ويمكن الجواب عنه بأن الجناح للطيران مغاير للدبيب بدليل قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]، والله أعلم.
أما قوله تعالى: {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
المقصود من هذه الآية شرح صفات الملائكة وهي دلالة قاهرة قاطعة على عصمة الملائكة عن جميع الذنوب، لأن قوله: {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} يدل على أنهم منقادون لصانعهم وخالقهم وأنهم ما خالفوه في أمر من الأمور، ونظيره قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} [مريم: 64]، وقوله: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]، وأما قوله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} فهذا أيضًا يدل على أنهم فعلوا كل ما كانوا مأمورين به، وذلك يدل على عصمتهم عن كل الذنوب.
فإن قالوا: هب أن هذه الآية تدل على أنهم فعلوا كل ما أمروا به فلم قلتم إنها تدل على أنهم تركوا كل ما نهوا عنه؟
قلنا: لأن كل ما نهي عن شيء فقد أمر بتركه، وحينئذ يدخل في اللفظ، وإذا ثبت بهذه الآية كون الملائكة معصومين من كل الذنوب، وثبت أن إبليس ما كان معصومًا من الذنوب بل كان كافرًا، لزم القطع بأن إبليس ما كان من الملائكة.
والوجه الثاني: في بيان هذا المقصود أنه تعالى قال في صفة الملائكة: {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} ثم قال لإبليس: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} [ص: 75]، وقال أيضًا له: {فاهبط مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعراف: 13]. فثبت أن الملائكة لا يستكبرون وثبت أن إبليس تكبر واستكبر فوجب أن لا يكون من الملائكة وأيضًا لما ثبت بهذه الآية وجوب عصمة الملائكة، ثبت أن القصة الخبيثة التي يذكرونها في حق هاروت وماروت كلام باطل، فإن الله تعالى وهو أصدق القائلين لما شهد في هذه الآية على عصمة الملائكة وبراءتهم عن كل ذنب، وجب القطع بأن تلك القصة كاذبة باطلة، والله أعلم.
واحتج الطاعنون في عصمة الملائكة بهذه الآية فقالوا: إنه تعالى وصفهم بالخوف، ولولا أنهم يجوزون على أنفسهم الإقدام على الكبائر والذنوب وإلا لم يحصل الخوف.
والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى منذرهم من العقاب فقال: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 29]، وهم لهذا الخوف يتركون الذنب.
والثاني: وهو الأصح أن ذلك الخوف خوف الإجلال هكذا نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، والدليل على صحته قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28]، وهذا يدل على أنه كلما كانت معرفة الله تعالى أتم، كان الخوف منه أعظم، وهذا الخوف لا يكون إلا خوف الإجلال والكبرياء، والله أعلم.